(لا يمكن لأحد أن يصبح قائدًا ناجحًا، إن أراد أن ينجز العمل لوحده، أو أراد أن تنسب كل الإنجازات له)
أندرو كارنيجي
تحدثنا في المرة السابقة عن مفهوم التمكين، والذي يعني "إعطاء مزيد
من المسؤوليات، وسلطة اتخاذ القرار بدرجة أكبر للأفراد في المستويات الدنيا"، وتطرقنا أيضًا إلى أبعاد التمكين والتي تحتوي على، وأيضًا الأساليب المعاصرة للتمكين، والآن سوف نتحدث عن 4 نقاط:
1. الثقافة التنظيمية والتمكين.
2. خطوات تنفيذ تمكين العاملين.
3. معوقات تطبيق التمكين في المنظمات العربية.
4. الإقتراحات لإنجاح عملية التمكين في بيئة المنظمات العربية.
1. الثقافة التنظيمية والتمكين:
فالتنفيذ
الفعال للتمكين يتطلب ثقافة تنظيمية جديدة، وثقافة المنظمة لابد أن تأخذ
في الحسبان إتجاهات الفرد، وسلوكياته، والممارسات التنظيمية كعناصر ترتبط
بحياة المنظمة.
ويقصد
بالثقافة التنظيمية بأنها: "مجموعة الرموز التنظيمية، والمثل العليا،
والطقوس، والشعائر، والقيم الموجودة داخل المنظمة"، أي هي مجموعة القيم
والمعتقدات والمباديء التي تحكم سلوك الأفراد داخل المنظمة، بمعنى آخر هي
المحصلة الكلية للكيفية التي يفكر بها الأفراد كأعضاء عاملين داخل المنظمة.
ويقود مفهوم الثقافة التنظيمية العديد من الأسئلة حول تنفيذ برنامج للتمكين، منها:
هل
تحتاج المنظمات لتغيير كل من جوانب القيم والممارسة للثقافة التنظيمية؟
وإذا كان هناك حاجة لتغيير كل من جوانب القيم والممارسة، كيف يمكن تغيير
جوانب القيم؟
فوجد (Hofstede, 1990) أن المجتمعات تتألف من ثقافات متعددة الأبعاد:
· التفاوت في السلطة.
· تجنب الغموض.
· الفردية/ الجماعية.
· الرجل/ المرأة.
سنتطرق لأول بعدين فقط بالشرح؛ نظرًا لأهميتها في عملية التمكين:
1) التفاوت في السلطة:
ويقصد
بها إلى مدى يتوقع ويقبل الأفراد، أن القوة موزعة بشكل متباين بين مختلف
مستويات الهيكل التنظيمي، كما يعكس مدى إحترام الأفراد لهيكل السلطة
والترتيب في المنظمة.
فالأفراد
في المجتمعات ذات الثقافة العالية في التفاوت في السلطة، يعتقدون أنه يجب
على المرؤوس أن يلعب دور الفرد الذي يتبع أوامر وتعليمات رئيسه، كما يفضل
المديرون المركزية في إتخاذ القرار، ويشعرون أيضًا بعدم إرتياحهم في حالة
تبني التمكين؛ لأنه قد يؤدي إلى غياب الإحترام للسلطة الرسمية للمديرين.
والموظفين
قد يشعرون بعدم الإرتياح في إتخاذ قرارات دون الرجوع إلى المديرين والحصول
على أذن، وهذا الشعور قد يولد ظروف وبيئة لا تسمح بإيجاد بيئة ممكنة،
وبالتالي فشل التمكين، ومن أمثلة هذه المجتمعات: الفلبين، المكسيك،
فنزويلا، سنغافورة، وبعض الدول الإسلامية.
أما
الأفراد في المجتمعات ذات الثقافة المنخفضة في التفاوت في السلطة، يعتقدون
المشاركة في السلطة بين الرئيس والمرؤوس، والأغلب ترجيحًا أن المنظمات في
تلك المجتمعات، تتبنى الأسلوب المركزي وتمكين العاملين، ومن أمثلة تلك
المجتمعات: النمسا، السويد، أستراليا، الولايات المتحدة الأمريكية،
بريطانيا.
2) تجنب الغموض:
ويقصد
به إلى مدى يشعر الأفراد بالحاجة لتجنب المواقف الغامضة، وإلى أي مدى يمكن
للأفراد إدارة تلك المواقف، من خلال التزود بأنظمة وتعليمات واضحة، ورفض
الأفكار الجديدة.
ففي
المجتمعات التي تأتي في مرتبة عالية من تجنب الغموض، مثل اليونان،
البرتغال، الأرجنتين، تشيلي، وبعض الدول الإسلامية، يشعر الأفراد بعدم
الإرتياح في ظل غياب الهياكل والسياسات والإجراءات، ولا يرغب الافراد في
الحصول على درجة عالية من الصلاحيات، وهذا بدوره قد يؤدي أن تتبنى المنظمات
في تلك المجتمعات نظام قيم موجه نحو التحكم والتوجيه، وبناء تنظيمي جامد؛
وبالتالي قد لا يساعد على إيجاد بيئة مناسبة لتبني التمكين.
أما
في المجتمعات التي تأتي في مرتبة منخفضة، من حيث تجنب الغموض كسنغافورة،
السويد، الولايات المتحدة، بريطانيا، فإن الأفراد يشعرون بعدم الإرتياح من
النظام الذي يركز على السياسات الصارمة، ويرغب الأفراد في الحصول على
التمكين والمرونة في إتخاذ القرارات بأنفسهم، فالمنظمات في تلك المجتمعات
على الأرجح أن تتبنى هياكل تنظيمية مرنة، ولديها فرص أكبر لتنفيذ برامج
التمكين.
وبعد هذا الكلام، هل المنظمات العربية جاهزة لتبني، أو تطبيق مفهوم التمكين؟
· في ظل هياكل تنظيمية جامدة.
· في ظل قيادة إدارية تؤمن بالسلطة والقوة.
2. خطوات تنفيذ تمكين العاملين:
الخطوة الأولى: تحديد أسباب الحاجة للتغيير:
أول خطوة يجب أن يقرر المدير لماذا يريد أن يتبنى برنامج لتمكين العاملين؟، وتبني التمكين يمكن أن يكون لأسباب مختلفة، مثل:
· تحسين خدمة العملاء.
· رفع مستوى الجودة.
· زيادة الإنتاجية.
· تنمية قدرات ومهارات المرؤوسين.
· تخفيف عبء العمل عن المدير.
وأيًا
كان السبب أو الأسباب، فإن شرح وتوضيح ذلك للمرؤوسين يساعد في الحد من
درجة الغموض وعدم التأكد، ويبدأ المرؤوسين في التعرف على توقعات الإدارة
نحوهم، وما المتوقع منهم، ويجب على المديرين أيضًا شرح الهيئة والشكل الذي
سيكون عليه التمكين، وتقديم أمثلة واضحة ومحددة للموظفين ما يتضمنه
المستويات الجديدة للسلطات، حيث لابد أن يحدد المدير بشكل دقيق المسؤوليات
التي ستعهد للموظفين من جراء التمكين.
الخطوة الثانية: التغيير في سلوك المديرين:
أحد
التحديات الهائلة التي يجب أن يتغلب عليها المديرين، لإيجاد بيئة عمل
ممكنة، تتصل بتعلم كيفية التخلي عن بعض السلطات للمرؤوسين؛ فقد أشار (Kizilos) أن
العديد من المديرين قد أمضى العديد من السنوات للحصول على القوة والسلطة،
وفي الغالب يكون غير راغب في التخلي أو التنازل عنها، وبالتالي يشكل تغيير
سلوكيات المديرين للتخلي عن بعض السلطات للمرؤوسين، خطوة جوهرية نحو تنفيذ
التمكين.
الخطوة الثالثة: تحديد القرارات التي يشارك فيها المرؤوسين:
إن
تحديد نوع القرارات التي سيتخلى عنها المديرين للمرؤوسين، تشكل أحد أفضل
الوسائل بالنسبة للمديرين والعاملين؛ للتعرف على متطلبات التغيير في
سلوكهم، فالمديرون عادةً لا يفضلون التخلي عن السلطة والقوة، التي اكتسبوها
خلال فترة بقائهم في السلطة، لذا يفضل أن تحدد الإدارة طبيعة القرارات
التي يمكن أن يشارك فيها المرؤوسين بشكل تدريجي.
الخطوة الرابعة: تكوين فرق عمل:
بكل
تأكيد لابد أن تتضمن جهود التمكين إستخدام أسلوب الفريق، وحتى يكون
للمرؤوسين القدرة على إبداء الرأي فيما يتعلق بوظائفهم، يجب أن يكونوا على
وعي وتفهم بكيفية تأثير وظائفهم على غيرهم من العاملين والمنظمة ككل، وأفضل
الوسائل لتكوين ذلك الإدراك أن يعمل المرؤوسين بشكل مباشر مع أفراد آخرين.
فالموظفين
الذين يعملون بشكل جماعي تكون أفكارهم وقراراتهم أفضل من الفرد الذي يعمل
منفردًا، وبما أن فرق العمل جزء أساسي من عملية تمكين العاملين، فإن
المنظمة يجب أن تعمل على إعادة تصميم العمل، حتى يمكن لفرق العمل أن تبرز
بشكل طبيعي.
الخطوة الخامسة: المشاركة في المعلومات:
لكي
يمكن للمرؤوسين من إتخاذ قرارات أفضل للمنظمة، فإنهم يحتاجون لمعلومات عن
وظائفهم والمنظمة ككل، فيجب أن يتوفر للموظفين الممكنين فرصة الوصول
للمعلومات، التي تساعدهم على تفهم كيفية أن وظائفهم وفرق العمل التي
يشتركوا فيها تقدم مساهمة لنجاح المنظمة، فكلما توفرت معلومات للمرؤوسين عن
طريقة أداء عملهم، زادت مساهمتهم.
الخطوة السادسة: اختيار الأفراد المناسبين:
فيجب
على المديرين اختيار الأفراد، الذين يمتلكون القدرات والمهارات للعمل مع
الآخرين بشكل جماعي، وبالتالي يفضل أن تتوافر للمنظمة معايير واضحة، ومحددة
لكيفية اختيار الأفراد المتقدمين للعمل.
الخطوة السابعة: توفير التدريب:
التدريب
أحد المكونات الأساسية لجهود تمكين العاملين، حيث يجب أن تتضمن جهود
المنظمة توفير برامج مواد تدريبية كحل المشاكل، الإتصال، إدارة الصراع،
العمل مع فرق العمل، التحفيز لرفع المستوى المهاري والفني للعاملين.
الخطوة الثامنة: وضع أهداف متعلقة بالتمكين:
يجب
أن يتم شرح وتوضيح ما المقصود بالتمكين، وماذا يمكن أن يعني التمكين
للعاملين فيما يتعلق بواجبات ومتطلبات وظائفهم، ويمكن أن يحدد المديرين
للمرؤوسين أهداف يجب تحقيقها كل سنة، وتلك الأهداف يمكن أن تتعلق بأداء
العمل أو التعلم والتطوير.
الخطوة التاسعة: وضع برنامج للمكافآت والتقدير:
لكي يكتب لجهود التمكين النجاح، يجب أن يتم ربط المكافآت والتقدير التي يحصل عليها الموظفين، بجهود التمكين وأهداف المنظمة.
الخطوة العاشرة: عدم إستعجال النتائج:
فلا
يمكن تغيير بيئة العمل من يوم وليلة، ويجب الحذر من مقاومة التغيير؛ حيث
سيقاوم الموظفين أي محاولة لإيجاد برنامج يمكن أن يضيف على عاتقهم مسؤوليات
جديدة، وبما أن تبني برنامج للتمكين سيتضمن تغيير، فإننا نتوقع أن تأخذ
الإدارة والموظفين وقتهم لإجادة المتطلبات الجديدة لبرنامج التمكين،
وبالتالي يجب على الإدارة عدم إستعجال الحصول على نتائج سريعة، فالتمكين
عملية شاملة، وتأخذ وقتًا، وتتضمن جميع الأطراف في المنظمة.
3. معوقات تطبيق التمكين في المنظمات العربية:
قد تواجه المنظمات العربية بعض المعوقات، التي قد تحد من قدرتها على تطبيق تمكين العاملين، ومن تلك المعوقات ما يلي:
· البناء التنظيمي الهرمي.
· المركزية الشديدة في سلطة إتخاذ القرارات.
· خوف الإدارة العليا من فقدان السلطة.
· عدم الرغبة في التغيير.
· خوف الإدارة الوسطى من فقدان وظائفهم والسلطة.
· خوف العاملين من تحمل السلطة.
· الأنظمة والإجراءات الصارمة، التي لا تشجع على المبادأة والإبتكار.
· السرية في تبادل المعلومات.
· ضعف نظام التحفيز والمكافآت.
· تفضيل أسلوب القيادة الإدارية التقليدية.
· ضعف التدريب والتطوير الذاتي.
· عدم الثقة الإدارية.
· اختلاف أهداف كل من الإدارة والعاملين.
4. الإقتراحات:
ولإنجاح عملية التمكين في بيئة المنظمات العربية، نقترح ما يلي:
· الإتجاه نحو البناء التنظيمي المرن.
· التحول لتطبيق مفهوم القيادة التحويلية.
· بناء المنظمة التي تشجع على التعلم الذاتي.
· السماح بتداول المعلومات.
· التحول من نظام الإشراف القائم على التوجيه والتحكم.
· إعادة النظر في نظام المكافآت.
· توفير التدريب الملائم للقيادات الإدارية.
وختامًا:
إن مصطلح تمكين العاملين كمفهوم
إداري حديث جدير بالبحث والدراسة، ويمكن أن يُحدث نقلة في المنظمات
العربية، فالشركات والمؤسسات الرائدة تدرك أن الإهتمام بالعنصر البشري، هو
السبيل للمنافسة وتحقيق التميز، ولا شك أن الإهتمام بمفهوم تمكين العاملين،
يشكل عنصرًا اساسيًا للمؤسسات والشركات في العالم العربي، خصوصًا في ظل
التحديات والتغيرات السريعة، وفقًا لذلك فإن قطاع الأعمال في العالم العربي
في حاجة ماسة للتغيير، وتبني ممارسات وسياسات، تتلاءم مع المتطلبات
والتطورات المعاصرة.
أهم المراجع:
1. Cultures in organizations, Joanne Martin.
2. Cultures and organizations – Software of the mind, Geert Hofstede, Gert Jan Hofstede.
3. Culture’s consequences – International differences in work-related values, Geert Hofstede.
4. Empowerment: A matter of degree, Ford and Fottler.
5. Crazu about empowerment, Kizilos.
6. حدائق الحكمة، نبيل أحمد.
No comments:
Post a Comment